تجربتي مع التصلب العصبي المتعدد
حتى أكون صادقاً معكم لا أعلم كيف أعبر أو أكتب عن قصتي، لكن من الواجب علينا جميعاً أن نتشارك التجارب والخبرات ونتحدث عن ما حصل معنا في السنوات الماضية، فهي أشبه بطريق جبلي مليء بالتضاريس المرتفعة يوماً والمنحدرة يوماً وأحداث لم نشهدها من قبل.
في صيف عام 2004، كنت حينها في الخامسة عشر عاماً، استيقظت وأنا أشعر بصداع فوق حاجبي الأيمن، كان مستمر طوال اليوم ووصفته لوالدتي - حفظها الله - بأنه كالحبل المشدود إلى داخل رأسي، وكأي أم تتصرف بخبرة طبية منزلية أشارت بأن أتناول المسكن المعروف 'البنادول' لعله يخفف من آثار الصداع، لكن رغم المسكن استمر الصداع ليومين آخرين بل صاحب الصداع ضبابية في الرؤية في عيني اليمنى، أحسست بأن الأمر أخطر من كونه صداع عارض وتوجهت إلى مركز الرعاية الأولية بحينا ولعل الطبيب صرف لي قطرة معقمة للعين ولم تكن ذات فائدة.
بعدها توجهت لمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون وتم تشخيصي هناك بمرض لم أكن أعرف عنه شيئاً أبداً ولا حتى والدي كانوا يعرفون عن هذا المرض شيء وبدأت رحلة العمر مع المرض التصلب العصبي المتعدد.
كانت هناك العديد من الصدمات المرافقة للتشخيص كون المرض يحتاج إلى مواعيد للإبر والأشعة والمتابعة والمراجعة مع الطبيب، فقرر الأطباء في مستشفى العيون إعطائي العلاج المعروف بـ 'الكورتيزون' وقت الهجمة ومن ثم تحويلي إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث للمراجعة مع عيادة الأعصاب.
للأسف كان موعد المستشفى بعيد جداً والأسئلة تملأ رأسي عن هذا الزائر الجديد على جسمي، وكان للانترنت دور السلبي والإيجابي أحياناً في الإجابة عن تلك التساؤلات، وفي نفس الوقت لم يتوانى والدي في أخذي لمعالجين بالرقية وخلافهم من المعالجين الشعبيين واستمرت زياراتي لهم حتى بعد موعد العيادة حينما زف لي الطبيب خبر خيب أملي في التخلص من هذ المزعج حينما أبلغني بإنه ليس هناك علاج نهائي للمرض.
باعتقادي أن من أهم النقاط التي نشترك بها كمرضى، أن معظمنا جرب أساليب وطرق من العلاج غير علاج المستشفيات، فهي كثيرة جداً منها ما كان شعبياً بسيطاً صرف، ومنها من حاول إيجاد مداخل طبية لإيهام و إقناع المرضى بتجربتها، ولسنا الوحيدون في ذلك بل أغلب مصابي الأمراض العضال لديهم من يتاجر بآلامهم، وكما يقول المثل: الغريق يتعلق بقشة.
توالت الهجمات تلحقها الهجمات، وتوالت أكياس 'الكورتيزون' تنسكب في وريدي وجربت العديد من العلاجات المعدّلة لمسار المرض مثل الانترفيرون والريبيف والافونكس ومع مرور الزمن اكتسبت خبرة في التعامل مع المرض وأعراضه وكيفية أخذ العلاج فاقتنعت بأن هذا قدري ويجب أن أتعامل معه بشيء من الإيجابية لعله يحسن معاملتي.
اتخذته صديقاً ورفيقاً، حتى أصل لطموح زرعه في عقلي تربية والدي وهو بأن أصبح طبيباً، ففي هذا العمر يبدأ الشخص في تركيب معالم مستقبله الوظيفي من خلال تحصيل دراسي يوصله لضفة كلية الطب البشري. فاجتهدت بدون أن أكلف جسدي ما لا يحتمله، والحمد لله كانت الثمرة جيدة بدخولي كلية الطب سنة 2007.
دراسة الطب تحتاج مجهود ذهني وبدني عالي نوعاً ما ودراسة الطب تعد تحدياً بذاتها للأصحاء فكيف بالمصابين بمرض قد يتفاقم مع أي مجهود أعلى من طاقة الجسم، وإيجاد توازن بين حاجة الجسم للراحة والتحصيل الدراسي معادلة صعبة وفي بعض الأحيان غير قابلة للتطبيق، فقررت أن أشرك المجتمع الحالي في الكلية بذلك وكوني في كلية طب ومحاط بمجتمع علمي علمه الأساسي هو الطب تصورت أنني لن أجد عائقاً يحول دون فهمهم للمرض واحتياج المريض، وبعد عدة تجارب مع أعضاء هيئة التدريس أو حتى إداريي الكلية، لم يكن تصوري جيد لأن المحصلة لن يستطيع أحد فهم المريض إلا طبيبه المعتاد، فقررت بأن أطلب من طبيبي تقريراً باللغة العربية حتى أوجد أرضاً صلبة للحوار وأقيم الحجة إذا ما وجبت، وهذا ساعدني جداً وخصوصاً في أولى سنوات الكلية.
بعد عدة محطات من الفرح ومحطات صغيرة من الفشل - والحمد لله على كل حال - تخرجت في سنة 2013 من كلية الطب ويبدو أنني أغضبت صديقنا خلالها ستة مرات فقط وأهديته سائله المحبوب 'الكرتيزون' ورضي عني ببعض الأثار، وأتممت سنة الإمتياز سنة 2014 بدون أن يغضب، وفي الوقت الحالي أعمل كطبيب أسرة في وزارة الصحة.
عمري حالياً ستة وعشرون عاماً، وعمري في التصلب العصبي المتعدد إحدى عشرة سنة وما يقارب العشرين هجمة وأحب جيلينا ولست أكره غيرها.
توقيع صاحب التجربة
د. عبدالله بن عبدالرحمن المقبل